تقرير للتليفزيون الهولندى اتهام المسيحيين بحرق كنيسة الماريناب باطل!
أكتب هذا المقال تعليقاً على ما أذاعه الصحفى الهولندى «ليكس روندركامب» بتليفزيون هولندا فى 26 نوفمبر 2011 حول ما حدث فى الماريناب فى بداية شهر أكتوبر الماضى. وقد حفزنى على الكتابة أيضاً ما نشرته جريدة «المصريون» ذات الاتجاهات الدينية فى ديسمبر 2011 اعتماداً على هذا التقرير الإعلامى لإثبات أن الأقباط بقرية الماريناب قد أشعلوا النار بأيديهم فى كنيستهم.. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يكن هناك أى منهم فى الماريناب بعد الحريق حيث كان يمكنهم أن يسمعوا من جهاز الأمن المصرى أن تلك المزاعم لم يكن لها أساس من الصحة.
إن الصحفى الهولندى «ليكس روندركامب» لا يعرف اللغة العربية، وليست له دراية وخبرة بالكتابة الصحفية الخاصة بقضايا العلاقات بين المسلمين والمسيحيين فى مصر. وسوف أسرد هنا بعض الحقائق كما حدثت كتجربة شخصية.
أولاً: إن أى تقرير صحفى جيد يجب أن يتضمن قاعدة أساسية، وهى الاستماع لجميع الأطراف الذين يتبنون وجهات النظر المختلفة فى أى قضية. وفى الحقيقة فإن «روندركامب» قد استمع لشخص يدعى «عبدالله»، وهو يسكن بالماريناب. بالإضافة إلى أشخاص قرويين مسيحيين ولكنه فى نهاية الأمر لم يتمكن من لقاء الأب صليب (كاهن الكنيسة هناك)، وهو يمثل مصدراً أفضل بكثير من القرويين المسيحيين حيث كان يمكنه أن يوضح الأمر لروندركامب من وجهة نظر المسيحيين. ثانياً: لقد كنت فى الماريناب بصحبة طالبة مصرية مسلمة فى الأول من شهر أكتوبر 1102 بعد ساعات من إندلاع الهجوم على الكنيسة، والتقيت بالأشخاص أنفسهم الذين التقى بهم روندركامب. ولكننا التقينا أيضاً الأب صليب واللواء محمد بدران (نائب مدير أمن أسوان)، والذى صرح لنا بأن مجموعة من الشباب المسلمين من القرية شنوا هجوماً على الكنيسة وقام أحدهم بإشعال النار بالكنيسة التى كانت تحت الإنشاء. وفى زيارتنا للماريناب.. لم ينكر أى من المسلمين بالقرية، ولا حتى عبدالله، ذلك عندما وجهنا لهم الأسئلة فى هذا الصدد فيما بعد، وشدد كل من المسلمين والمسيحيين بالقرية بشكل واضح على أن الجانبين كانا يعيشان فى سلام سوياً قبل وقوع هذا الحادث. وكان الخلاف فى وجهات النظر بين المسلمين والمسيحيين يدور حول ما إذا كان المسيحيون لديهم تصريح بالبناء أم لا وأيضاً حول من اتصل بفرقة المطافئ والخسائر التى حدثت وعدد الأشخاص الذين شنوا ذلك الهجوم.
وقد أنكر.. (إمام القرية) بشدة أنه هو من قام بتحريض الشباب على الهجوم على الكنيسة. إذن، فالحقيقة هى أنه لم يزعم أحد بالقرية فى الأول من شهر أكتوبر الماضى أن المسيحيين هم من قاموا بإضرام النار فى كنيستهم بأنفسهم، وأنه لأمر غريب حقاً أن هذا الزعم قد ظهر لاحقاً (ويمكن الرجوع تفصيلاً لهذا الأمر للتحقيق الاستقصائى المطول الذى كتبته لميس يحيى عن هذا الأمر لتقارير العرب والغرب).
ثالثاً: إن الجدل الدائر حول ما إذا كان مبنى الماريناب هو كنيسة أم لا هو فى واقع الأمر هراء، فأى موقع يتجمع فيه عدد من الأشخاص بشكل دورى للصلاة فهو إما أن يكون مسجداً أو كنيسة، حيث كان المسيحيون يتجمعون فى هذا الموقع لسنوات وقد كان ذلك معروفاً للسكان المحليين من المسلمين. وعلى الرغم من أن هذا الموقع، وهو موجود لعدة سنوات، لم يكن مسجلاً لدى الحكومة على أنه كنيسة إلا أن ذلك لا يغير من الحقيقة المؤكدة بأنه كان يستخدم للصلاة، وذلك أيضاً كان معروفاً لكل من الأهالى والسلطات بالقرية على حد سواء.
رابعاً: أتفق تماماً مع اللواء محمد بدران (نائب مدير أمن أسوان) من أن محاولات المسيحيين بتغيير الشكل الخارجى للمبنى هو ما أوجد تلك الاضطرابات، كما أن هناك جدلاً حول مدى قانونية الأوراق والمستندات، إلا أن الأمر المؤكد على أى حال هو وجوب حل تلك النزاعات والخلافات فى ساحات المحاكم بعيداً عن العنف.
خامساً: هناك حقيقة أخرى مؤداها أن بناء الكنائس فى مصر هو أمر صعب وكنتيجة لذلك كان المسيحيون يحاولون دوماً بناء الكنائس دون ترخيص مسبق، وهو الأمر الذى يحتاج أيضاً إلى التوصل لحل جذرى فى هذا الشأن من خلال التشريعات الملائمة وتنفيذ تلك التشريعات.
ما نود أن نؤكد عليه هنا هو أن تقرير «روندركامب» كان مليئاً بالمغالطات الواضحة، ولذلك فلا يجب بأى حال من الأحوال استخدام هذا التقرير للتدليل على أن الأقباط هم من قاموا بحرق الكنيسة، واتهموا المسلمين بحرقها -كما زعمت صحيفة «المصريون»- فهذا ليس صحيحاً على الإطلاق.
لقد كتبت كثيراً قبل ذلك فى (تقارير العرب والغرب) منتقداً بعض الناشطين الأقباط وإثبات مغالطاتهم عند قيامهم بنشر أى معلومات غير صحيحة تتعلق بالقضايا الخاصة بمصر، كما كتبت منتقداً بقوة بعض الشخصيات فى الغرب، والتى تحاول تسويق فكرة (الإسلاموفوبيا) وسوف نظل نقوم بذلك دائماً. ولكن فيما يتعلق بقضية الماريناب نؤكد أنه من المقبول أن نصدق أن المسيحيين قد انتهكوا القواعد الخاصة بالبناء، وقد تكون بعض التصريحات الصادرة عنهم لم تتسم بالحكمة. ولكن الزعم بأنهم حرقوا كنيستهم بأنفسهم.. فهذا الأمر حقاً يبدو سخيفا

